ثَمَنُ الْوَعْدِ الْمَنْكُوبِ
مُنْذُ زَمَنٍ بَعِيدٍ، خَيَّمَ ظِلٌّ أَسْوَدُ عَلَى بَلْدَةِ هَامْلِينَ الْمَرِحَةِ، الَّتِي اشْتُهِرَتْ بِكَعْكِهَا اللَّذِيذِ وَأَطْفَالِهَا السُّعَدَاءِ. اجْتَاحَتِ الشَّوَارِعَ جَحَافِلُ الْجُرْذَانِ، لَيْسَتْ تِلْكَ الصَّغِيرَةَ الْخَجُولَةَ، بَلْ وُحُوشٌ ضَخْمَةٌ وَجَرِيئَةٌ. كَانَتْ تَرْكُضُ فِي الْمَخَابِزِ، وَتَسْبَحُ فِي قُدُورِ الْحَسَاءِ، بَلْ وَتُعَشِّشُ فِي أَسِرَّةِ النَّاسِ النَّائِمِينَ. بَكَتْ طِفْلَةٌ صَغِيرَةٌ اسْمُهَا لَيْلَى عِنْدَمَا وَجَدَتْ دُمْيَتَهَا الْمُفَضَّلَةَ مُمَزَّقَةً. كَانَ أَهْلُ الْبَلْدَةِ يَائِسِينَ؛ فَلَمْ تَسْتَطِعْ أَيُّ حِيلَةٍ أَوْ فَخٍّ إِيقَافَ هَذَا الطُّوفَانِ.
ذَاتَ يَوْمٍ، دَخَلَ رَجُلٌ غَرِيبٌ إِلَى سَاحَةِ الْبَلْدَةِ. كَانَ يَرْتَدِي مَلَابِسَ زَاهِيَةً بِالْأَحْمَرِ وَالْأَصْفَرِ. كَانَ لَهُ أَنْفٌ طَوِيلٌ مَعْقُوفٌ وَعَيْنَانِ ثَاقِبَتَانِ تَحْتَ قُبَّعَةٍ طَوِيلَةٍ مُدَبَّبَةٍ. وَكَانَ يَحْمِلُ نَايًا خَشَبِيًّا بَسِيطًا. سَارَ مُبَاشَرَةً إِلَى دَارِ الْبَلَدِيَّةِ حَيْثُ كَانَ الْعُمْدَةُ شْتَايْنُ وَمَجْلِسُهُ يَتَجَادَلُونَ فِي يَأْسٍ. قَالَ الْغَرِيبُ بِصَوْتٍ هَادِئٍ: "أَسْتَطِيعُ تَخْلِيصَكُمْ مِنْ كُلِّ جُرَذٍ، لَكِنَّ سِحْرِي لَهُ ثَمَنٌ".
رَأَى الْعُمْدَةُ الذَّكِيُّ، وَهُوَ رَجُلٌ يُقَدِّرُ الْمَالَ فَوْقَ كُلِّ شَيْءٍ، فُرْصَةً. فَقَالَ لِعَازِفِ النَّايِ: "تُرِيدُ مَالًا؟ بِالطَّبْعِ! سَنُعْطِيكَ عُمْلَةً فِضِّيَّةً وَاحِدَةً مُقَابِلَ كُلِّ رَأْسِ جُرَذٍ تُحْضِرُهُ لَنَا". ابْتَسَمَ عَازِفُ النَّايِ ابْتِسَامَةً خَفِيفَةً وَقَالَ: "إِذَنْ، عُمْلَةٌ فِضِّيَّةٌ لِكُلِّ رَأْسٍ. هَذِهِ اللَّيْلَةَ، يَجِبُ أَلَّا يَبْقَى أَحَدٌ فِي الشَّوَارِعِ".
وَمَعَ ارْتِفَاعِ الْقَمَرِ، انْتَشَرَ لَحْنٌ غَرِيبٌ فِي أَرْجَاءِ هَامْلِينَ. كَانَ نَغَمًا سَاحِرًا بَدَأَ هَمْسًا ثُمَّ غَدَا نِدَاءً لَا يُقَاوَمُ. مِنْ كُلِّ بَيْتٍ وَقَبْوٍ، تَدَفَّقَتِ الْجُرْذَانُ. شَكَّلَتْ نَهْرًا هَائِلًا مِنَ الْفِرَاءِ، تَتْبَعُ عَازِفَ النَّايِ الَّذِي مَشَى بِبُطْءٍ نَحْوَ نَهْرِ فِيزَر الْعَمِيقِ. وَاحِدًا تِلْوَ الْآخَرِ، قَفَزَتِ الْجُرْذَانُ الْمَسْحُورَةُ بِالْمُوسِيقَى إِلَى الْمَاءِ وَجَرَفَهَا التَّيَّارُ. كَانَ آخِرُهُمْ جُرَذًا أَبْيَضَ عِمْلَاقًا، هُوَ مَلِكُهُمْ. سَأَلَهُ عَازِفُ النَّايِ: "هَلْ هَؤُلَاءِ هُمْ جَمِيعُهُمْ؟" فَأَجَابَ مَلِكُ الْجُرْذَانِ: "جَمِيعُ التِّسْعِمِائَةِ وَالتِّسْعَةِ وَالتِّسْعِينَ أَلْفًا وَالتِّسْعِمِائَةِ وَالتِّسْعَةِ وَالتِّسْعِينَ" ثُمَّ قَفَزَ فِي النَّهْرِ.
فِي الصَّبَاحِ التَّالِي، ذَهَبَ عَازِفُ النَّايِ إِلَى دَارِ الْبَلَدِيَّةِ وَقَالَ: "لَقَدْ وَفَيْتُ بِوَعْدِي. الْآنَ، أُرِيدُ أَجْرِي". ضَحِكَ الْعُمْدَةُ شْتَايْنُ وَقَالَ: "بِالتَّأْكِيدِ! هَيَّا بِنَا نَعُدُّ الرُّؤُوسَ". ضَاقَتْ عَيْنَا عَازِفِ النَّايِ وَقَالَ بِغَضَبٍ: "الرُّؤُوسُ فِي النَّهْرِ! لَمْ يَكُنْ هَذَا اتِّفَاقَنَا!". هَزَّ الْعُمْدَةُ كَتِفَيْهِ: "لَا رُؤُوسَ، لَا نُقُودَ. وَلَكِنْ مُقَابِلَ أَتْعَابِكَ، خُذْ هَذِهِ الْخَمْسِينَ قِطْعَةً فِضِّيَّةً". دَفَعَ عَازِفُ النَّايِ الْمَالَ بَعِيدًا وَهَمَسَ: "احْتَفِظُوا بِمَالِكُمُ الْمَلْعُونِ. لَقَدْ خُنْتُمْ وَعْدَكُمْ. سَيَدْفَعُ أَطْفَالُكُمْ الثَّمَنَ". ثُمَّ اسْتَدَارَ وَاخْتَفَى.
لَمْ يَأْخُذْ أَحَدٌ تَهْدِيدَهُ عَلَى مَحْمَلِ الْجِدِّ. يَوْمَ الْأَحَدِ التَّالِي، ذَهَبَ جَمِيعُ الْكِبَارِ إِلَى الْكَنِيسَةِ. وَلَكِنْ بَيْنَمَا كَانُوا يُصَلُّونَ، مَلَأَتِ الْهَوَاءَ مُوسِيقَى مُخْتَلِفَةٌ. كَانَتْ لَحْنًا عَذْبًا سَاحِرًا يَعِدُ بِجِبَالٍ مِنَ الْحَلْوَى وَحُقُولٍ مِنَ الْأَلْعَابِ. خَرَجَ أَطْفَالُ هَامْلِينَ، بِمَنْ فِيهِمْ لَيْلَى الصَّغِيرَةُ وَأَبْنَاءُ وَبَنَاتُ الْعُمْدَةِ أَنْفُسُهُمْ، مِنْ بُيُوتِهِمْ. تَبِعُوا عَازِفَ النَّايِ، يَرْقُصُونَ وَيَضْحَكُونَ، نَحْوَ الْجَبَلِ الْكَبِيرِ. انْفَتَحَ بَابٌ سِرِّيٌّ فِي الصَّخْرِ، وَدَخَلَ الْأَطْفَالُ إِلَيْهِ. ثُمَّ أُغْلِقَ الْبَابُ خَلْفَهُمْ بِدَوِيٍّ عَمِيقٍ، تَارِكًا وَرَاءَهُ ثَلَاثَةَ فِتْيَانٍ فَقَطْ: وَاحِدٌ كَانَ أَعْرَجَ، وَآخَرُ أَصَمَّ، وَثَالِثٌ أَعْمَى. كَانُوا هُمُ الْوَحِيدِينَ الَّذِينَ بَقُوا لِيَرْوُوا الْقِصَّةَ الرَّهِيبَةَ.
تَحَوَّلَتْ فَرْحَةُ هَامْلِينَ إِلَى رَمَادٍ. وَأَكَلَ الشُّعُورُ بِالذَّنْبِ قَلْبَ الْعُمْدَةِ، وَبَحَثَ لِسَنَوَاتٍ، لَكِنَّ الْأَطْفَالَ لَمْ يُعْثَرْ عَلَيْهِمْ أَبَدًا. أَصْبَحَتِ الْبَلْدَةُ مَكَانًا هَادِئًا حَزِينًا، تَذْكَارًا دَائِمًا لِوَعْدٍ مَنْكُوبٍ وَثَمَنٍ فَادِحٍ.
قِيَمٌ وَدُرُوسٌ أَخْلَاقِيَّةٌ
- الْوَعْدُ دَيْنٌ: الدَّرْسُ الْمِحْوَرِيُّ لِلْقِصَّةِ هُوَ الْوَاجِبُ الْمُقَدَّسُ لِلْوَفَاءِ بِالْكَلِمَةِ. خُلْفُ الْوَعْدِ يُمْكِنُ أَنْ تَكُونَ لَهُ عَوَاقِبُ مُدَمِّرَةٌ.
- الطَّمَعُ يُؤَدِّي إِلَى الْهَلَاكِ: طَمَعُ الْعُمْدَةِ وَمُحَاوَلَتُهُ أَنْ يَكُونَ "ذَكِيًّا" عَلَى حِسَابِ الصِّدْقِ أَدَّيَا مُبَاشَرَةً إِلَى أَكْبَرِ مَأْسَاةٍ فِي الْبَلْدَةِ.
- لِلْأَفْعَالِ عَوَاقِبُ: كُلُّ اخْتِيَارٍ، خَاصَّةً الْقَائِمُ عَلَى الْخِدَاعِ، يُحْدِثُ آثَارًا قَدْ تُؤَدِّي إِلَى نَتَائِجَ غَيْرِ مُتَوَقَّعَةٍ وَرَهِيبَةٍ.
- احْتَرِمْ جَمِيعَ النَّاسِ: حَكَمَ أَهْلُ الْبَلْدَةِ عَلَى عَازِفِ النَّايِ بِسَبَبِ مَظْهَرِهِ الْغَرِيبِ وَاسْتَهَانُوا بِقُوَّتِهِ، وَهُوَ خَطَأٌ كَلَّفَهُمْ غَالِيًا.
أَسْئِلَةٌ حَوْلَ الْقِصَّةِ
أَسْئِلَةُ الْفَهْمِ
- مَا هِيَ الْمُشْكِلَةُ الرَّئِيسِيَّةُ فِي بَلْدَةِ هَامْلِينَ فِي بِدَايَةِ الْقِصَّةِ؟
- مَا هِيَ الصَّفْقَةُ الَّتِي عَقَدَهَا الْعُمْدَةُ مَعَ عَازِفِ النَّايِ؟
- كَيْفَ تَخَلَّصَ عَازِفُ النَّايِ مِنَ الْجُرْذَانِ؟
- لِمَاذَا رَفَضَ الْعُمْدَةُ دَفْعَ الْمَبْلَغِ الْمَوْعُودِ لِعَازِفِ النَّايِ؟
- مَاذَا حَدَثَ لِأَطْفَالِ هَامْلِينَ؟
أَسْئِلَةُ التَّفْكِيرِ النَّقْدِيِّ
- هَلْ تَعْتَقِدُ أَنَّ عِقَابَ عَازِفِ النَّايِ كَانَ عَادِلًا؟ لِمَاذَا نَعَمْ أَوْ لِمَاذَا لَا؟
- هَلْ كَانَ الْعُمْدَةُ "ذَكِيًّا" أَمْ مُجَرَّدَ شَخْصٍ غَيْرِ أَمِينٍ؟ مَا هُوَ الْفَرْقُ؟
- لَوْ كُنْتَ أَحَدَ سُكَّانِ هَامْلِينَ، مَاذَا كُنْتَ سَتَقُولُ لِلْعُمْدَةِ عِنْدَمَا رَفَضَ الدَّفْعَ؟
أَسْئِلَةُ الرَّبْطِ بِالْحَيَاةِ الْيَوْمِيَّةِ
- لِمَاذَا مِنَ الْمُهِمِّ الْوَفَاءُ بِوَعْدٍ تَقْطَعُهُ لِصَدِيقٍ؟
- هَلْ شَعَرْتَ يَوْمًا أَنَّ شَخْصًا مَا لَمْ يُعَامَلْ بِعَدْلٍ بِسَبَبِ شَكْلِهِ أَوْ تَصَرُّفَاتِهِ الْمُخْتَلِفَةِ؟
- لَوْ أُتِيحَتْ لَكَ الْفُرْصَةُ لِتَقْدِيمِ نَصِيحَةٍ وَاحِدَةٍ لِلْعُمْدَةِ، فَمَاذَا سَتَكُونُ؟
أَنْشِطَةٌ مُمْتِعَةٌ
- ارْسُمِ الْمَوْكِبَيْنِ: عَلَى وَرَقَةٍ كَبِيرَةٍ، ارْسُمِ الْمَشْهَدَيْنِ جَنْبًا إِلَى جَنْبٍ. عَلَى الْيَسَارِ، ارْسُمْ عَازِفَ النَّايِ يَقُودُ نَهْرَ الْجُرْذَانِ الْمُظْلِمَ. وَعَلَى الْيَمِينِ، ارْسُمْهُ يَقُودُ مَوْكِبَ الْأَطْفَالِ الْمُلَوَّنَ وَالسَّعِيدَ. تَحَدَّثْ عَنْ كَيْفِيَّةِ اخْتِلَافِ الْأَلْوَانِ وَالْمَشَاعِرِ فِي كُلِّ صُورَةٍ.
- الْمُوسِيقَى وَالْأَحَاسِيسُ: مَعَ أَحَدِ الْكِبَارِ، ابْحَثْ عَنْ مَقَاطِعَ لِمُوسِيقَى النَّايِ عَلَى الْإِنْتَرْنِتْ. هَلْ يُمْكِنُكَ إِيجَادُ مَقْطُوع