سمير و المعروف
كَانَ سَمِيْرٌ طِفْلًا مُهَذَّبًا؛ طَائِعًا لِوَالِدَيْهِ، وَيُحِبُّ أَنْ يَصْنَعَ المَعْرُوفَ مَعَ كُلِّ النَّاسِ. عَلَّمَهُ وَالِدَاهُ أَنْ لَا يُفَرِّقَ بَيْنَ الغَرِيْب وَالقَريب فِي مُعَامَلَتِهِ الْإِنْسَانِيَّةِ. فَعِنْدَمَا يَحْضُرُ ضَيْفٌ إِلَى مَنْزِلِ أَبِيْهِ؛ تَجِدَهُ رُغْمَ صِغَر عُمُرِهِ يَسْتَقْبِلُكَ وَكَأَنَّهُ يَعْرِفُكَ مُنْذُ مُدَّةٍ طويلة، فَيُسَلِّمُ عَلَيْكَ أَفْضَلَ السَّلَام وَيَسْتَقْبِلُكَ أَحْسَنَ الْإِسْتِقْبَالِ.
وَلَنْ نَنْسَى ذَلِكَ الْمَوقِفَ العَظِيمَ الَّذِي جَعَلَ الجَمِيعَ يَنْظُرُونَ إِلَى سَمِيْرٍ نَظْرَةً إِكْبَارٍ وَافْتِخَارٍ. فَفِي يَوْمِ مِنَ الأَيَّام؛ رَأَى سَمِيْرٌ كَلْبًا يَلْهَثُ مِنَ التَّعَبِ بِجوَارِ المَنْزِلِ ، فَلَمْ يَرْضَ أَنْ يَتْرُكَهُ أَوْ يَضْرِبَهُ بِالْحَجَرِ كَمَا يَفْعَلِ الْأَطْفَالُ الْأَشْقِيَاءُ بَلْ قَدَّمَ لَهُ الطَّعَامَ وَالشَّرَابَ، وَظَلَّ سَمِيْرٌ يَفْعَلُ هَذَا يَوْمِيًا ، حَتَّى شَعَرَ بِأَنَّ الكَلَبَ الصَّغِيْرِ قَدْ شُفِيَّ، وَبَدَأَ جِسْمُهُ يَكْبُرُ، وَتَعُودُ إِلَيْهِ الصَّحَةَ. ثُمَّ تَرَكَهُ إِلَى حَالِ سَبِيْلِهِ ، فَهُوَ سَعِيدٌ بِمَا قَدَّمَهُ مِنْ خِدْمَةٍ لِهَذَا الكَلْبِ الَّذِي لَمْ يُؤْذِ أَحَدًا، وَلَا يَسْتَطِيعُ أَنْ يَتَكَلَّمَ وَيَشْكُو سَبَبَ نُحُولِهِ وَضَعْفِهِ. وَكَانَ سَمِيْرٌ أَيْضًا يُرَبِّي الدَّجَاجَ فِي مَزْرَعَةِ أَبِيْهِ وَيَهْتَمُّ بِهِ وَيُطْعِمُهُ.
وذَاتَ يَوْمِ انْطَلَقَتِ الدَّجَاجَاتُ بَعِيدًا عَنْ القَفَصِ وَبَدَأَتْ تَصْرُخُ. فَإِذَا بِصَوْتٍ هَائِلِ مُرْعِبٍ يَدْوِيَ فِي أَنْحَاءِ الْقَرْيَةِ أَفْزَعَ النَّاسَ. حَتَّى أَنَّ سَمِيرًا نَفْسُهُ بَدَأَ يَتَرَاجَعُ وَيَجْرِي إِلَى الْمَنْزِلِ لِيُخْبِرَ وَالِدَهُ. فَتَجَمَّعَ الجَمِيعُ أَمَامَ النَّافِذَةِ الَّتِي تُطِلُّ عَلَى المَزْرَعَةِ، وَشَاهَدُوا ذِنْبًا كَبِيرَ الحَجْمِ يُحَاوِلُ أَنْ يُمْسِكَ بِالدَجَاجَاتِ وَيَجْرِي خَلْفَهَا.
وَفَجْأَةً؛ ظَهَرَ ذَلِكَ الْكَلْبُ الَّذِي كَانَ سَمِيْرُ قَدْ أَحْسَنَ إِلَيْهِ فِي يَوْمِ مِنَ الْأَيَّامِ وَهَجَمَ عَلَى الذِّنْبِ وَقَامَتْ بَيْنَهُمَا مَعْرَكَةً حَامِيَةً وَهَرَبَ الذِّئْبُ، وَظَلَّ الْكَلْبُ الوَفِيُّ يُلاحِقُهُ حَتَّى طَرَدَهُ مِنَ الْقَرْيَةِ. وَأَخَذَ سَمِيْرٌ يَتَذَكَّرُ مَا فَعَلَهُ مَعَ الْكَلْبِ الصَغِيْرِ وَهَا هُو اليَّوْمَ يَعُودُ لِيَرُدَّ الجَمِيْلَ لِهَذَا الَّذِي صَنَعَ مَعَهُ الجَمِيْلَ ذَاتَ يَوْمِ.
فَخَرَجَ سَمِيْرٌ إِلَى الْكَلْبِ فَقَدَّمَ لَهُ قِطْعَةَ لَحْمٍ كَبِيرَةٍ، جَائِزَةً لَهُ عَلَى مَا صَنَعَهُ ، ثُمَّ نَظَرَ إِلَى الدَّجَاجَاتِ، فَوَجَدَهَا فَرْحَانَةً تَلْعَبُ مَعَ بَعْضِهَا وَكَأَنَّهَا في حفلة جَمِيلة.