الحمار والثور والفلاح




في مَزرَعةٍ كبيرةٍ يَمتلكُها فَلّاحٌ مُيَسَّرُ الحالِ وزوجتُهُ، كانَ يَعيشُ ثَورٌ وحِمارٌ مع جَمعٍ من الحَيَواناتِ. وكانَ الثّورُ يُقادُ إلى الحُقولِ كُلَّ يومٍ ليُشَدَّ إلى المِحراثِ الثقيلِ، فيَجرَّهُ في التُّرابِ صيفًا وفي الوَحلِ شتاءً. أمّا الحمارُ، فكانَ يَجولُ في أرجاءِ المزرعةِ هانئًا، يَرعى ويَمرحُ أو يَتمدَّدُ على فِراشٍ من القَشِّ النَّظيفِ في إصطَبلِه.


وذاتَ يَومٍ، بينما كان الفلاحُ يتفقَّدُ شُؤونَ مَزرعتِه، أثارَ استِغرابَهُ حديثٌ دارَ بينَ الثّورِ المُتعَبِ والحمارِ، وكانَ الفلاحُ يَمتلكُ مَوهبةً غريبةً مَكَّنتْهُ من فَهمِ لُغةِ الحَيوانِ.


قالَ الثورُ متنهِّدًا:  

ــ حقًّا، إنَّكَ لَمَحظوظٌ أيّها الحمار! أَنا أَشقى طَوالَ نَهاري في جَرِّ ذاكَ المِحراثِ المُرهقِ، بينما أنتَ تَقضي نَهارَكَ مُترَفًا مُتَكاسلًا. هذا مِن ظُلمِ الحياةِ!


رَقَّ الحمارُ لحالِ رَفيقِه، فقالَ ناصحًا:  

ــ جَرِّب أن تَمتَنِعَ عن الأكلِ وتَتَظاهَرَ بالمَرضِ. وحينَ يُرادُ شَدُّكَ إلى المِحراثِ غدًا، اسقُط أرضًا مُبدِيًا عَجزَكَ، وإن أَقاموكَ فَارقدْ. تابِعْ صُدودَكَ عن الطَّعامِ أيّامًا، وستَنعمُ بالرّاحةِ.


لكنَّ الفلاحَ كانَ يُنصِتُ خُفيَةً...


وفي اليومِ التالي، طَبَّقَ الثَّورُ الخُطَّةَ. امتَنَعَ عن الطَّعامِ وتَركَ المِعْلفَ خاليًا. فأَوصى الفلاحُ الحَرّاثَ قائلًا:  

ــ لا بُدّ من إراحةِ الثورِ، وخُذِ الحمارَ بدلًا عنه.


فَقُدَّ الحمارُ إلى المِحراثِ... وقضى يومًا شاقًّا مُضنيًا تحتَ الشّمسِ، والحرّاثُ يُلهبُهُ بالعَصا كلَّما تَباطَأت خُطاه.


وحينَ عادَ إلى الإسطَبلِ مُرهَقًا، قالَ له الثّورُ مُبتهِجًا:  

ــ يَوْمي كانَ هادئًا ومُمتِعًا! وأنتَ؟


فلم يُجِبِ الحِمارُ، بل ارتمى في زاويةٍ يُغالِبُ نُعاسَ التَّعَبِ، وقالَ لنَفْسِهِ:  

ــ يا لي مِنْ مُغَفَّل! الأجدرُ بي أَنْ أَحتفِظَ بحِكمَتي لِنَفْسي.


وفي اليومِ التالي، وبينما يُساقُ إلى الحَقلِ مَرةً أُخرى، دارَ في خُلدِه:  

ــ لا بُدّ من خُطَّة! لا بُدّ من خُطّة!


وعندَ عودتِه المساءِ، تَوجَّهَ إلى الثورِ قائلاً:  

ــ لقد سَمِعتُ الفلّاحَ يُحادِثُ الحَرّاثَ: إنْ لم تَشفَ غدًا فَسوفَ يُرسِلُ إلى الجَزّارِ ليُريِحكَ مِنْ مَرَضِك!


وفي تِلكَ اللّحظةِ، حضَرَ الفلاحُ وَهو يَبتسمُ ويَقولُ:  

ــ فليَنعمْ كِلاكُما بِعَشائِكُما! تُصْبِحانِ على خَير!


وفي صَبيحَةِ اليومِ التالي، كانَ الثّورُ في أبهى لِياقَتِهِ يَتَوثَّبُ بِنشاطٍ، يُهَروِلُ نحوَ المِحراثِ، وقد نَظَّفَ مِعْلفَهُ حتى آخِرَ قَشَّة!


وضحكَ الفلّاحُ وزَوجتُهُ وهُما يَشهَدانِ عودَةَ الثَّورِ إلى العَمَلِ... وعَلَت خَدَّيْه حَمرَةُ خَجلٍ خَفيفَة.

إرسال تعليق

أحدث أقدم