إمام البخلاء: قصة الرجل الذي أحبّ الدرهم أكثر من حياته، وورّث البخل لابنه

إمام البخلاء

رجل بخيل يعد نقوده بحرص شديد

القصة

عهد مع الدرهم

حُكي أن رجلًا بلغ في البخل مبلغًا لم يبلغه أحد من أهل زمانه، حتى لقبوه بـ"إمام البخلاء"، إذ لم يكن له في الشحّ مثيل. ومع كثرة ماله بعد أن ورث ثروة كبيرة، لم يتغيّر حاله، بل ازداد بخلًا فوق بخله. وكان إذا قبض على درهم جديد، نظر إليه نظرة حبٍّ ولهفة، ثم قرّبه من وجهه وهمس له: "كم من أرض قد قطعت! وكم من كيس قد فارقت! لك عندي عهدٌ ألا تعرى، ولا تُهان، ولا تُذل، ولا تُنفق! فاسكن على اسم الله في هذا الكيس المبارك." ثم يلقي الدرهم في كيسه وكأنه يلقيه في حصنٍ منيع.

موعظة في السوق

وذات يوم، ألحّت عليه زوجته وأهله أن يشتري لهم شيئًا من الطعام، فوافق على مضض، وأخرج درهمًا واحدًا ومضى به إلى السوق وكأنه يمشي إلى الموت. وفي طريقه، رأى حاويًا يُلاعب أفعى أمام الناس، ثم فجأة أطلقها على نفسه مقابل درهم واحد. وقف البخيل يتأمل المشهد، ثم قال في نفسه: "أأتلف درهمًا تُبذل فيه النفس؟! هذا الرجل يخاطر بحياته كلها لأجل درهم! والله ما هذا إلا موعظة أرسلها الله إليّ!" فعاد مسرعًا إلى بيته، وردّ الدرهم إلى كيسه، وقال له بصوت خافت: "عذرًا أيها العزيز، لقد كدت أفقدك!"

الوريث الأكثر بخلًا

وكان أهله في بلاء لا يُطاق من بخله، حتى جاءهم اليوم الموعود ومات البخيل. فرحوا بخلاصهم، وظنوا أن أيام الحرمان قد انتهت. فما إن دُفن الرجل، حتى تولّى ابنه إدارة المال وجمع أهله وقال لهم: "إن فساد البيت إنما يكون في الإدام، وما كان أبونا ليفسد بيته." قالوا: "كان إدامه جبنة صغيرة، يأكل منها دائمًا." قال: "أروني إياها." فجاؤوه بها، وكانت قطعة صغيرة، قد حفرتها الأصابع. قال متعجبًا: "ما هذه الحفرة؟" قالوا: "لم يكن يقطع منها، بل كان يمسح باللقمة على وجه الجبنة، ومع الأيام حفرها كما ترى!" فقال الابن وقد ذُهل: "بهذا أفسدني أبي! والله لو كنت أعلم، ما صليت عليه!" ثم قال: "أما أنا، فلا أمس الجبنة كما كان يفعل، بل أضعها بعيدًا، وأشير إليها باللقمة فقط!"


الدروس المستفادة

  • البخل الشديد ليس حرصًا على المال، بل هو مرض يحرم صاحبه وأهله من أبسط حقوق الحياة.
  • الطباع السيئة قد تنتقل بالوراثة والقدوة، بل وقد تزداد سوءًا في الجيل التالي.
  • جمع الثروة لا قيمة له إذا لم تُستخدم في تحسين نوعية الحياة أو مساعدة الآخرين.
  • قد يرى البخيل في كل شيء موعظة تبرر له بخله، بدلًا من أن تكون دافعًا للكرم.

أسئلة للمناقشة

  1. لماذا كان البخيل يكلم الدرهم قبل أن يضعه في كيسه؟ ماذا يخبرنا هذا عن شخصيته؟
  2. هل تعتقد أن مشهد الحاوي كان موعظة حقيقية للبخيل؟ أم أنه استخدمها كعذر ليعود عن الشراء؟
  3. ما هو شعورك تجاه الابن في نهاية القصة؟ هل هو أسوأ من أبيه أم ضحية له؟
  4. لو كنت مكان أهل البخيل، كيف كنت ستتعامل مع هذا الموقف الصعب؟

أنشطة مقترحة

  • اكتب نهاية مختلفة للقصة، حيث يقرر الابن أن يكون كريمًا عكس والده.
  • ارسم مشهدًا كوميديًا يصور الابن وهو "يشير" باللقمة إلى قطعة الجبن من بعيد.
  • ابحث عن قصة أخرى من قصص البخلاء في التراث العربي وقارنها بهذه القصة.

إرسال تعليق

أحدث أقدم