شَقَاوَةُ خُشَيْبٍ الْأُولَى
فِي وَرْشَتِهِ الْوَحِيدَةِ، الْمَلِيئَةِ بِرَائِحَةِ خَشَبِ الْأَرْزِ، كَانَ النَّجَّارُ الْعَجُوزُ بَشِيرٌ يَحْلُمُ بِأَنْ يَكُونَ لَهُ ابْنٌ. ذَاتَ يَوْمٍ، وَبَيْنَمَا كَانَ يَنْحَتُ قِطْعَةَ خَشَبٍ مُمَيَّزَةً كَانَتْ تُقَهْقِهُ تَحْتَ أَزَامِيلِهِ، تَحَقَّقَ حُلْمُهُ. هَمَسَ بِحُبٍّ وَهُوَ يُشَكِّلُهَا: "سَأُسَمِّيكَ خُشَيْبًا". وَمَا إِنِ انْتَهَى مِنْ نَحْتِ يَدَيْهِ، كَانَ أَوَّلُ فِعْلٍ لِلدُّمْيَةِ هُوَ أَنْ يَخْطَفَ شَعْرَ بَشِيرٍ الْمُسْتَعَارَ وَيَقْذِفَهُ فِي الْهَوَاءِ ضَاحِكًا.
صَاحَ بَشِيرٌ وَهُوَ مُنْدَهِشٌ أَكْثَرَ مِنْهُ غَاضِبًا: "يَا لَكَ مِنْ شَقِيٍّ! لَا يَجُوزُ أَنْ تُقِلَّ احْتِرَامَ وَالِدِكَ!". لَكِنَّ ابْتِسَامَةً خَشَبِيَّةً وَاحِدَةً كَانَتْ كَفِيلَةً بِإِذَابَةِ قَلْبِهِ. بِصَبْرٍ لَا نِهَايَةَ لَهُ، صَنَعَ لَهُ سَاقَيْنِ وَعَلَّمَهُ كَيْفَ يَخْطُو خُطُوَاتِهِ الْأُولَى. كَانَ يُشَجِّعُهُ قَائِلًا: "أَحْسَنْتَ يَا خُشَيْبُ! خُطْوَةٌ بِخُطْوَةٍ". تَعَلَّمَ خُشَيْبٌ بِسُرْعَةٍ، وَازْدَادَتْ رَشَاقَتُهُ دَقِيقَةً بَعْدَ دَقِيقَةٍ.
لَكِنْ مَعَ الرَّشَاقَةِ جَاءَ الْعِصْيَانُ. فَمَا أَنْ شَعَرَ بِالثَّبَاتِ عَلَى قَدَمَيْهِ، حَتَّى بَدَأَ خُشَيْبٌ يَرْكُضُ فِي أَنْحَاءِ الْوَرْشَةِ كَالنَّحْلَةِ. صَرَخَ بَشِيرٌ: "قِفْ، قَدْ تُؤْذِي نَفْسَكَ!". لَكِنَّ خُشَيْبًا وَجَدَ مُتْعَةً فِي فِعْلِ عَكْسِ مَا يُطْلَبُ مِنْهُ تَمَامًا. وَعِنْدَمَا رَأَى الْبَابَ مَفْتُوحًا، لَمْ يُفَكِّرْ مَرَّتَيْنِ: انْدَفَعَ إِلَى الْخَارِجِ، إِلَى الشَّارِعِ الْمُزْدَحِمِ، فِي أَوَّلِ مُغَامَرَةٍ كُبْرَى لَهُ.
رَكَضَ بَشِيرٌ خَلْفَهُ وَقَلْبُهُ يَكَادُ يَقْفِزُ مِنْ صَدْرِهِ. "خُشَيْبُ، عُدْ!". لَكِنَّ الدُّمْيَةَ كَانَتْ تَقْفِزُ كَالْأَرْنَبِ وَتُقَهْقِهُ: "لَنْ تُمْسِكَ بِي أَبَدًا!". إِلَّا أَنَّ رَكْضَهُ انْتَهَى فَجْأَةً بَيْنَ ذِرَاعَيْ شُرْطِيٍّ قَوِيٍّ أَمْسَكَهُ مِنْ أَنْفِهِ الطَّوِيلِ. قَالَ الرَّجُلُ بِزِيِّهِ الرَّسْمِيِّ: "أَمْسَكْتُ بِكَ أَيُّهَا الْمُشَاغِبُ الصَّغِيرُ!".
عِنْدَمَا وَصَلَ بَشِيرٌ إِلَيْهِمْ وَهُوَ يَلْهَثُ، قَالَ بِلُطْفٍ: "الْآنَ، لِنَعُدْ إِلَى الْبَيْتِ يَا بُنَيَّ". لَكِنَّ خُشَيْبًا، الَّذِي لَمْ تَكُنْ لَدَيْهِ أَيُّ نِيَّةٍ لِلطَّاعَةِ، أَلْقَى بِنَفْسِهِ عَلَى الْأَرْضِ وَبَدَأَ يَبْكِي وَيَصْرُخُ وَيَرْكُلُ. تَجَمَّعَ أَهْلُ الْبَلْدَةِ حَوْلَهُمْ لِيَرَوْا مَا يَحْدُثُ. قَالَتْ إِحْدَى النِّسَاءِ: "مِسْكِينٌ هَذَا الطِّفْلُ! مَنْ يَدْرِي كَيْفَ يُعَامِلُهُ هَذَا الْعَجُوزُ بِقَسْوَةٍ!". وَأَضَافَ آخَرُ: "نَعَمْ، يُجْبِرُهُ عَلَى الْعَوْدَةِ إِلَى الْبَيْتِ بِالْقُوَّةِ!".
اتَّخَذَ الشُّرْطِيُّ، الَّذِي أَرْبَكَتْهُ صرخات الدُّمْيَةِ وَهَمْهَمَاتُ النَّاسِ، قَرَارًا فَظِيعًا. فَاعْتَقَدَ أَنَّهُ يَحْمِي "الطِّفْلَ"، فَأَلْقَى الْقَبْضَ عَلَى بَشِيرٍ الْمِسْكِينِ. وَبَيْنَمَا كَانَ النَّجَّارُ يُقْتَادُ بَعِيدًا، تَوَقَّفَ خُشَيْبٌ عَنِ الْبُكَاءِ. كَانَ حُرًّا، وَحِيدًا فِي مُنْتَصَفِ الشَّارِعِ. لَكِنَّ الْحُرِّيَّةَ الَّتِي أَرَادَهَا بِشِدَّةٍ بَدَتْ فَجْأَةً بَارِدَةً وَمُخِيفَةً. لَقَدِ ارْتَكَبَ أَوَّلَ أَخْطَائِهِ الْكَبِيرَةِ.
قِيَمٌ وَدُرُوسٌ أَخْلَاقِيَّةٌ
- طَاعَةُ الْوَالِدَيْنِ: أَرَادَ بَشِيرٌ فَقَطْ حِمَايَةَ خُشَيْبٍ. تُعَلِّمُنَا الْقِصَّةُ أَنَّ نَصَائِحَ الْآبَاءِ تَأْتِي مِنَ الْحُبِّ وَهَدَفُهَا الْحِفَاظُ عَلَى سَلَامَتِنَا.
- لِلْأَفْعَالِ عَوَاقِبُ: عِصْيَانُ خُشَيْبٍ لَمْ يُعَرِّضْهُ لِلْخَطَرِ فَحَسْبُ، بَلْ تَسَبَّبَ أَيْضًا فِي أَلَمٍ كَبِيرٍ لِمَنْ أَحَبَّهُ.
- لَا تَحْكُمْ عَلَى الظَّوَاهِرِ: حَكَمَ أَهْلُ الْبَلْدَةِ عَلَى بَشِيرٍ دُونَ مَعْرِفَةِ الْحَقِيقَةِ، مِمَّا أَدَّى إِلَى الظُّلْمِ. مِنَ الْمُهِمِّ فَهْمُ الْمَوْقِفِ قَبْلَ الْحُكْمِ عَلَيْهِ.
- الْحُرِّيَّةُ تَتَطَلَّبُ الْمَسْؤُولِيَّةَ: أَرَادَ خُشَيْبٌ أَنْ يَكُونَ حُرًّا، لَكِنَّهُ تَعَلَّمَ أَنَّ الْحُرِّيَّةَ الْحَقِيقِيَّةَ لَيْسَتْ فِعْلَ مَا تُرِيدُ، بَلِ الْقِيَامُ بِالِاخْتِيَارَاتِ الصَّحِيحَةِ.
أَسْئِلَةٌ حَوْلَ الْقِصَّةِ
أَسْئِلَةُ الْفَهْمِ
- مَا هِيَ أَوَّلُ شَقَاوَةٍ فَعَلَهَا خُشَيْبٌ لِبَشِيرٍ؟
- لِمَاذَا هَرَبَ خُشَيْبٌ مِنَ الْبَيْتِ؟
- مَنْ أَوْقَفَ خُشَيْبًا فِي الشَّارِعِ؟
- لِمَاذَا أَلْقَى الشُّرْطِيُّ الْقَبْضَ عَلَى بَشِيرٍ بَدَلًا مِنْ خُشَيْبٍ؟
- كَيْفَ شَعَرَ خُشَيْبٌ فِي نِهَايَةِ الْقِصَّةِ، عِنْدَمَا بَقِيَ وَحِيدًا؟
أَسْئِلَةُ التَّفْكِيرِ النَّقْدِيِّ
- هَلْ تَعْتَقِدُ أَنَّ خُشَيْبًا كَانَ "شِرِّيرًا"، أَمْ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ يَفْهَمُ الْقَوَاعِدَ؟ اشْرَحْ إِجَابَتَكَ.
- مَاذَا كَانَ يَجِبُ عَلَى أَهْلِ الْبَلْدَةِ أَنْ يَفْعَلُوا قَبْلَ اتِّهَامِ بَشِيرٍ؟
- لَوْ كُنْتَ أَنْتَ الشُّرْطِيَّ، فَمَا السُّؤَالُ الَّذِي كُنْتَ سَتَطْرَحُهُ لِفَهْمِ الْمَوْقِفِ بِشَكْلٍ أَفْضَلَ؟
أَسْئِلَةُ الرَّبْطِ بِالْحَيَاةِ الْيَوْمِيَّةِ
- احْكِ عَنْ مَرَّةٍ لَمْ تَسْتَمِعْ فِيهَا لِنَصِيحَةٍ ثُمَّ نَدِمْتَ. مَاذَا تَعَلَّمْتَ؟
- هَلْ حَدَثَ أَنْ رَأَيْتَ مَوْقِفًا وَأَسَأْتَ فَهْمَهُ فِي الْبِدَايَةِ؟
- مَاذَا تَعْنِي لَكَ كَلِمَةُ "الْمَسْؤُولِيَّةِ"؟
أَنْشِطَةٌ مُمْتِعَةٌ
- سِلْسِلَةُ الْعَوَاقِبِ: خُذْ وَرَقَةً وَاكْتُبْ فِعْلًا، مِثْلَ "خُشَيْبٌ يَهْرُبُ إِلَى الشَّارِعِ". ثُمَّ، ارْسُمْ أَوْ اكْتُبْ سِلْسِلَةً مِنْ ثَلَاثَةِ أَشْيَاءَ حَدَثَتْ بَعْدَ ذَلِكَ بِسَبَبِ ذَلِكَ الْفِعْلِ الْأَوَّلِ.
- مَثِّلِ الطَّرِيقَةَ الصَّحِيحَةَ: مَعَ صَدِيقٍ، مَثِّلَا الْمَشْهَدَ مَرَّةً أُخْرَى، لَكِنْ هَذِهِ الْمَرَّةَ يَسْتَمِعُ خُشَيْبٌ لِبَشِيرٍ وَلَا يَهْرُبُ. كَيْفَ تَنْتَهِي الْقِصَّةُ بِهَذِهِ الطَّرِيقَةِ؟
- وُجُوهُ الْمَشَاعِرِ: ارْسُمْ ثَلَاثَةَ وُجُوهٍ لِبَشِيرٍ (مُحِبٌّ، قَلِقٌ، حَزِينٌ) وَثَلَاثَةَ وُجُوهٍ لِخُشَيْبٍ (شَقِيٌّ، خَائِفٌ، حَائِرٌ) لِتُظْهِرَ كَيْفَ شَعَرَا خِلَالَ الْقِصَّةِ.