الثور العجوز
يُحْكَى أَنَّهُ فِي بِلَادٍ بَعِيْدَةٍ كَانَ هُنَاكَ سُلْطَانٌ عَادِلٌ يَحْكُمُ البَلَادَ ، وَكَانَ يَفْتَحُ بَابَهُ فِي كُلِّ صَبَاحِ لِلْفُقَرَاءِ كَيْ يَسْمَعَ شَكْوَى كُلِّ ضَعِيْفٍ مَظْلُومٍ مِنْهُمْ ، وَلَمْ يُنْشِئُ أَسْوَارًا عَالِيَةً لِبَيْتِهِ حَتَّى يَسْتَطِيعَ أَنْ يَسْمَعَ صَوْتَ شَعْبِهِ ، وَعَلَّقَ جَرَسًا كَبِيرًا حَتَّى إِذَا أَرَادَ أَحَدٌ أَنْ يُقَابِلَهُ يَدُقُّ الجَرَسَ، فَيَرَاهُ السُّلْطَانُ فِي الْحَالِ.
وَفِي يَوْمِ مِنَ الأَيَّامِ دَقَّ الجَرَسَ ثَوْرٌ عَجُوْزٌ ، مَرِيضٌ وَهَزِيلٍ فَلَمَّا رَآهُ قَائِدُ الحَرَس وَقَفَ فِي وَجْهِهِ وَلَمْ يُوَافِقُ أَنْ يَجْعَلَهُ يُقَابِلُ السُّلْطَانَ. وَكَانَ السُّلْطَانُ يَقِفُ فِي الشَّرْفَةِ وَشَاهَدَ مَا حَدَثَ.
فَنَادَى عَلَى الحَاجِب وَسَأَلَهُ: لِمَاذَا يُرِيدُ هَذَا الثَّوْرُ مُقَابَلَتِي؟؟
فَقَالَ لَهُ الحَاجِبُ : يَا مَوْلايَ هَذَا الثَّوْرُ قَدْ ذَهَبَتْ قُوَّتُهُ وَأَصْبَحَ عَجُوزًا ضَعِيفًا وَلَمْ يَعُدْ لَهُ فَائِدَةٍ فَطَرَدْنَاهُ مِنَ الْقَصْرِ.
فَغَضِبَ السُّلْطَانُ وَقَالَ لِلْحَاجِبِ : هَذَا الثَّوْرُ كَانَ صَغِيرًا عِنْدَمَا أَحْضَرْتَهُ وَقَدْ أَخَذَ يَعْمَلُ فِي الحَقْلِ حَتَّى كَبِرَ سِنُّهُ وَضَعُفَتْ قُوتُهُ ، فَهَلْ يَكُونُ جَزَاءُهُ بِأَنْ نَطْرُدُهُ؟!
ثُمَّ تَابَعَ السُّلْطَانُ : قُلْ لِيْ أَيُّهَا الحَاجِبُ هَلْ لَوْ مَرِضَتَ زَوجَتُكَ أَو أَحَدٌ مِنْ أَطْفَالِكَ تَطْرُدُهُ مِنَ البَيْتِ ؟
فَقَالَ الحَاجِبُ : بالطبع لا .. كَيْفَ أَطْرُدُ فَرْدًا مِنْ أَفْرَادِ أَسْرَتِي فَقَالَ السُّلْطَانُ : هَذَا النُّورُ قَدْ خَدَمَكَ طِوَالَ عُمُرِهِ، فَكَيْفَ تَطْرُدُهُ عِنْدَمَا كَبِرَ بَدَلًا مِنْ أَنْ تَشْكُرَهُ؟؟
خُذْ ثَوْرَكَ الآنَ، وَإِيَّاكَ أَنْ تَتْرُكَهُ فِي الطُّرُقَاتِ وَحِيْدًا وَأَحْسِنُ مُعَامَلَتَهُ ، فَهُوَ ثَوْرٌ ضَعِيفٌ لَا يُمْكِنُهُ أَنْ يَتَكَلَّمَ أَو أَنْ يُدَافِعَ عَنْ نَفْسِهِ. وَعَلَيْكَ أَنْ تَحْتَرِمَ مَنْ كَبُرَ فِي السِّنِ وَتُؤَفِرَ لَهُ الرَّاحَةَ ، خُصُوصًا لَو كَانَ حَيْوَانًا لَا يَسْتَطِيعُ أَنْ يَتَكَلَّم. كَمْ مِنْ جَاهِلِ نَرَاهُ يَضْرِبُ تِلْكَ الْحَيْوَانَاتِ بِلا رَحْمَةٍ مَعْ أَنَّ الحَيْوَانَاتِ تَقُومُ بِالكَثِيرِ مِنَ الْأَعْمَالِ دُوْنَ أَنْ تَطْلُبَ أَجْرًا.
فَقَالَ الحَاجِبُ : مَعَكَ حَقٌّ يَا مَوْلَايَ ، لَقَدْ أَخْطَأْتُ بِحَقِّ النُّورِ .. سَوْفَ أَذْهَبُ الآنَ وَأَطْعِمَهُ وَأَسْأَلُ اللهَ أَنْ يَغْفِرَ لِي مَا فَعَلْتُهُ.