مِيرَاثُ الطَّحَّانِ غَيْرُ الْمُتَوَقَّعِ
جَلَسَ قَاسِمٌ، ابْنُ الطَّحَّانِ الْأَصْغَرُ، عَلَى الْعُشْبِ بِجَانِبِ الْجَدْوَلِ وَاضِعًا رَأْسَهُ بَيْنَ يَدَيْهِ. كَانَتْ وَصِيَّةُ وَالِدِهِ قَدْ قُرِئَتْ لِلتَّوِّ. حَصَلَ أَخَوَاهُ الْأَكْبَرَانِ عَلَى الطَّاحُونَةِ وَحِمَارٍ قَوِيٍّ، أَمَّا هُوَ... فَلَمْ يُتْرَكْ لَهُ سِوَى قِطِّ الْعَائِلَةِ. قِطٌّ بُرْتُقَالِيٌّ عَادِيٌّ تَمَامًا بِعَيْنَيْنِ زَرْقَاوَيْنِ ذَكِيَّتَيْنِ. تَנَهَّدَ قَاسِمٌ وَهُوَ يَنْظُرُ إِلَى الْحَيَوَانِ: "وَمَاذَا سَأَفْعَلُ بِكَ الْآنَ؟ لَا أَسْتَطِيعُ حَتَّى أَنْ أَبِيعَكَ. أَنْتَ لَا تُسَاوِي شَيْئًا".
شَعَرَ الْقِطُّ بِالْحُزْنِ فِي صَوْتِ الْفَتَى، فَاقْتَرَبَ مِنْهُ وَاحْتَكَّ بِسَاقِهِ مُخَرْخِرًا بِصَوْتٍ عَالٍ. تَأَثَّرَ قَاسِمٌ بِهَذِهِ اللَّفْتَةِ الصَّغِيرَةِ مِنَ الْوُدِّ، فَبَدَأَ يَحُكُّ رَأْسَهُ. "عَلَى الْأَقَلِّ أَنْتَ تُحِبُّنِي"، تَمْتَمَ. ظَلَّ يُدَاعِبُ الْقِطَّ لِفَتْرَةٍ، ثُمَّ تَנَهَّدَ مَرَّةً أُخْرَى وَهَمَّ بِالنُّهُوضِ. لَكِنَّ صَوْتًا صَغِيرًا هَادِئًا أَوْقَفَهُ: "مَهْلًا، إِلَى أَيْنَ أَنْتَ ذَاهِبٌ؟ لَقَدْ بَدَأْتُ أَشْعُرُ بِالرَّاحَةِ لِلتَّوِّ".
تَجَمَّدَ قَاسِمُ فِي مَكَانِهِ. نَظَرَ حَوْلَهُ بِقَلَقٍ وَقَبَضَ عَلَى يَدَيْهِ وَهُوَ يُفَكِّرُ: "مَنْ تَكَلَّمَ؟". لَمْ يَكُنْ هُنَاكَ أَحَدٌ. فَقَطْ حَفِيفُ الْأَوْرَاقِ وَخَرِيرُ الْمَاءِ. قَالَ الصَّوْتُ مَرَّةً أُخْرَى: "أَنَا هُنَا بِالْأَسْفَلِ، يَا لَكَ مِنْ أَحْمَقٍ!". خَفَضَ الْفَتَى بَصَرَهُ بِبُطْءٍ. كَانَ الصَّوْتُ يَأْتِي مِنَ الْقِطِّ الَّذِي كَانَ يُحَدِّقُ فِيهِ بِعَيْنَيْهِ الزَّرْقَاوَيْنِ. هَذَا مُسْتَحِيلٌ!
قَالَ الْقِطُّ وَهُوَ يَتَثَاءَبُ: "لَا تَنْظُرْ إِلَيَّ هَكَذَا. نَعَمْ، أَنَا مَنْ يَتَكَلَّمُ حَقًّا". رَاقَبَ قَاسِمٌ فَمَ الْقِطِّ وَهُوَ يَتَحَرَّكُ وَيُشَكِّلُ الْكَلِمَاتِ. وَضَعَ يَدَهُ عَلَى جَبْهَتِهِ وَقَدْ شَعَرَ بِالدُّوَارِ. تَلَعْثَمَ قَائِلًا: "هَلْ أَنَا أَحْلُمُ؟ هَلْ أَصَابَتْنِي الْحُمَّى؟". نَهَضَ الْقِطُّ بِأَنَاقَةٍ، لَيْسَ عَلَى أَرْبَعِ قَوَائِمَ، بَلْ عَلَى اثْنَتَيْنِ. وَقَالَ وَهُوَ يَتَجَوَّلُ كَرَجُلٍ نَبِيلٍ صَغِيرٍ: "لَا، أَنْتَ لَا تَحْلُمُ. وَنَعَمْ، أَنَا أَمْشِي أَيْضًا".
هَمَسَ قَاسِمٌ وَقَدِ انْقَطَعَتْ أَنْفَاسُهُ: "لَكِنْ... كَيْفَ؟". تَأَفَّفَ الْقِطُّ بِتَعَالٍ: "آهٍ، أَيُّهَا الْبَشَرُ! تَظُنُّونَ أَنَّكُمْ الْكَائِنَاتُ الذَّكِيَّةُ الْوَحِيدَةُ فِي الْعَالَمِ. الْحَقِيقَةُ هِيَ أَنَّ جَمِيعَ الْقِطَطِ تَسْتَطِيعُ التَّحَدُّثَ وَالْمَشْيَ. لَكِنْ لِمَاذَا قَدْ نَفْعَلُ ذَلِكَ؟ مِنَ الْأَكْثَرِ رَاحَةً أَنْ تَقُومُوا أَنْتُمْ بِخِدْمَتِنَا وَتَدْلِيلِنَا طَوَالَ الْيَوْمِ! نَحْنُ أَذْكِيَاءُ، لَسْنَا كُسَالَى".
تَوَقَّفَ الْقِطُّ أَمَامَ قَاسِمٍ وَوَضَعَ كَفَّيْهِ عَلَى خَاصِرَتَيْهِ: "الْآنَ، كَفَى حُزْنًا! هَلْ تَظُنُّ أَنَّ وَالِدَكَ تَرَكَكَ بِلَا شَيْءٍ؟ لَقَدْ تَرَكَ لَكَ... أَنَا! وَبِذَكَائِي وَيَدَيْكَ، سَنَجْمَعُ ثَرْوَةً أَكْبَرَ مِنْ أَيِّ طَاحُونَةٍ. وَلَكِنْ أَوَّلًا وَقَبْلَ كُلِّ شَيْءٍ، سَأَحْتَاجُ إِلَى زَوْجٍ مِنَ الْأَحْذِيَةِ الطَّوِيلَةِ وَكِيسٍ". حَدَّقَ قَاسِمٌ فِيهِ، وَقَدْ تَحَوَّلَتْ دَهْشَتُهُ إِلَى بَصِيصِ أَمَلٍ. رُبَّمَا، بَعْدَ كُلِّ شَيْءٍ، لَمْ يَكُنْ مِيرَاثُهُ هَزِيلًا. لَقَدْ كَانَتْ تِلْكَ بِدَايَةَ مُغَامَرَةٍ عَظِيمَةٍ.
قِيَمٌ وَدُرُوسٌ أَخْلَاقِيَّةٌ
- لَا تَحْكُمْ عَلَى الْمَظَاهِرِ: الْمِيرَاثُ الَّذِي بَدَا الْأَقَلَّ قِيمَةً تَبَيَّنَ أَنَّهُ الْأَثْمَنُ. فَالْأَشْيَاءُ (وَالْأَشْخَاصُ) لَيْسَتْ دَائِمًا كَمَا تَبْدُو.
- الْقُدُرَاتُ الْخَفِيَّةُ: حَتَّى أَكْثَرُ الْمَخْلُوقَاتِ تَوَاضُعًا يُمْكِنُ أَنْ تُخْفِيَ مَوَاهِبَ اسْتِثْنَائِيَّةً. مِنَ الْمُهِمِّ إِعْطَاءُ الْجَمِيعِ فُرْصَةً. - الذَّكَاءُ هُوَ الثَّرْوَةُ الْحَقِيقِيَّةُ: يُظْهِرُ الْقِطُّ أَنَّ الْعَقْلَ الْحَاذِقَ وَالْخُطَّةَ الْجَيِّدَةَ أَثْمَنُ مِنَ الطَّاحُونَةِ أَوِ الْحِمَارِ. فَالْفِطْنَةُ وَالذَّكَاءُ كُنُوزٌ لَا تُقَدَّرُ بِثَمَنٍ.
أَسْئِلَةٌ حَوْلَ الْقِصَّةِ
أَسْئِلَةُ الْفَهْمِ
- مَاذَا وَرِثَ ابْنُ الطَّحَّانِ الْأَصْغَرُ؟
- لِمَاذَا كَانَ مُحْبَطًا جِدًّا فِي بِدَايَةِ الْقِصَّةِ؟
- مَا هِيَ أَوَّلُ جُمْلَةٍ قَالَهَا الْقِطُّ؟
- مَا هُمَا الْأَمْرَانِ الْمُفَاجِئَانِ اللَّذَانِ كَانَ الْقِطُّ يَسْتَطِيعُ فِعْلَهُمَا؟
- وَفْقًا لِلْقِطِّ، لِمَاذَا لَا تُظْهِرُ الْقِطَطُ قُدُرَاتِهَا عَادَةً؟
أَسْئِلَةُ التَّفْكِيرِ النَّقْدِيِّ
- لِمَاذَا تَعْتَقِدُ أَنَّ الْأَبَ تَرَكَ الْقِطَّ لِابْنِهِ الْأَصْغَرِ وَلَيْسَ لِأَحَدِ الْأَخَوَيْنِ الْأَكْبَرَيْنِ؟
- يَقُولُ الْقِطُّ إِنَّ الْقِطَطَ "أَذْكِيَاءُ، لَيْسُوا كُسَالَى". مَاذَا يَعْنِي ذَلِكَ بِرَأْيِكَ؟
- كَيْفَ يَتَغَيَّرُ رَدُّ فِعْلِ قَاسِمٍ خِلَالَ الْقِصَّةِ؟
أَسْئِلَةُ الرَّبْطِ بِالْحَيَاةِ الْيَوْمِيَّةِ
- هَلْ حَدَثَ أَنْ ظَنَنْتَ أَنَّ شَيْئًا مَا لَا قِيمَةَ لَهُ ثُمَّ اكْتَشَفْتَ أَنَّهُ مُمَيَّزٌ؟
- مَا هِيَ "الْمَوْهِبَةُ الْخَفِيَّةُ" الَّتِي تَمْتَلِكُهَا أَنْتَ أَوْ أَحَدُ أَصْدِقَائِكَ؟
- لَوْ كَانَ لَدَيْكَ حَيَوَانٌ نَاطِقٌ، فَمَا أَوَّلُ شَيْءٍ سَتَسْأَلُهُ عَنْهُ؟
أَنْشِطَةٌ مُمْتِعَةٌ
- صَمِّمْ حِذَاءَ الْقِطِّ: تَخَيَّلْ أَنَّكَ صَانِعُ الْأَحْذِيَةِ. ارْسُمْ أَكْثَرَ زَوْجِ أَحْذِيَةٍ أَنَاقَةً وَمُلَاءَمَةً لِلْمُغَامَرَاتِ يُمْكِنُ أَنْ يَرْغَبَ فِيهِ قِطٌّ نَاطِقٌ. مَاذَا سَيَكُونُ لَوْنُهُ؟ هَلْ سَيَحْتَوِي عَلَى أَبَازِيمَ خَاصَّةٍ؟
- عَرْضُ الْمَوَاهِبِ الْخَفِيَّةِ: اكْتُبْ عَلَى قُصَاصَةِ وَرَقٍ مَوْهِبَةً سِرِّيَّةً أَوْ مُضْحِكَةً لَدَيْكَ (مِثْلَ "أَسْتَطِيعُ تَحْرِيكَ أُذُنَيَّ" أَوْ "أَسْتَطِيعُ غِنَاءَ أُغْنِيَةٍ بِالْعَكْسِ"). ضَعُوا جَمِيعَ الْقُصَاصَاتِ فِي صُنْدُوقٍ وَتَنَاوَبُوا عَلَى قِرَاءَتِهَا، مُحَاوِلِينَ تَخْمِينَ صَاحِبِ كُلِّ مَوْهِبَةٍ.
- ضَعْ خُطَّةً: تَخَيَّلْ أَنَّكَ قَاسِمٌ. لَقَدْ طَلَبَ مِنْكَ الْقِطُّ لِلتَّوِّ زَوْجًا مِنَ الْأَحْذِيَةِ وَكِيسًا. مَا هِيَ الْخُطْوَةُ الْأُولَى فِي خُطَّتِكُمَا لِلْبَحْثِ عَنِ الثَّرْوَةِ؟ اكْتُبْ أَوْ ارْسُمْ مُغَامَرَتَكُمَا الْأُولَى.