السِّبَاقُ الَّذِي مَا كَانَ يَجِبُ أَنْ يَكُونَ
كَانَ حَسَنٌ وَسَنَاءُ يُحِبَّانِ بَعْضَهُمَا حُبًّا جَمًّا، لَكِنَّهُمَا كَانَا أَيْضًا أَشَدَّ مُنَافِسَيْنِ يُمْكِنُ أَنْ تَرَاهُمَا. كَانَ كُلُّ يَوْمٍ يَحْمِلُ تَحَدِّيًا جَدِيدًا. كَانَ سِبَاقُ الْجَرْيِ لَدَيْهِمَا يَبْدَأُ مِنْ بَابِ الْكُوخِ حَتَّى شَجَرَةِ الْبَلُّوطِ الْقَدِيمَةِ، وَكَانَ حَسَنٌ يَفُوزُ دَائِمًا، وَلَكِنَّهُ بِسَاقَيْهِ الطَّوِيلَتَيْنِ كَانَ يُبْطِئُ أَحْيَانًا عَمْدًا لِيَدَعَ أُخْتَهُ تَفُوزُ. أَمَّا فِي مُسَابَقَةِ التَّوَازُنِ عَلَى جِذْعِ شَجَرَةٍ لِعُبُورِ الْجَدْوَلِ، فَكَانَتْ سَنَاءُ لَا تُقْهَرُ، وَكَانَتْ تَضْحَكُ مِنْ قَلْبِهَا حِينَ يَنْتَهِي الْأَمْرُ بِحَسَنٍ فِي الْمَاءِ الْبَارِدِ.
كَانَتْ حَيَاتُهُمَا بَسِيطَةً فِي كُوخٍ صَغِيرٍ عَلَى أَطْرَافِ الْغَابَةِ. كَانَ وَالِدُهُمَا، حَطَّابًا قَوِيًّا وَلَطِيفًا، يَعْمَلُ بِجِدٍّ مِنَ الْفَجْرِ حَتَّى الْغَسَقِ. كَانَ يَعُودُ إِلَى الْبَيْتِ غَالِبًا مُتْعَبًا لِدَرَجَةِ أَنَّهُ يَكَادُ لَا يَقْوَى عَلَى رَفْعِ مِلْعَقَتِهِ، لَكِنَّهُ كَانَ يَحْرِصُ دَائِمًا عَلَى أَنْ يَجِدَ طِفْلَاهُ شَيْئًا فِي طَبَقَيْهِمَا، حَتَّى لَوْ كَانَ ذَلِكَ يَعْنِي التَّخَلِّيَ عَنْ حِصَّتِهِ.
ذَاتَ مَسَاءٍ عَلَى الْعَشَاءِ، وُضِعَتْ عَلَى الطَّاوِلَةِ ثَلَاثَةُ أَطْبَاقٍ مِنْ حَسَاءِ الْخُضَارِ الْبَسِيطِ وَبِضْعُ قِطَعٍ مِنَ الْخُبْزِ. لَمْ يَكُنْ كَثِيرًا، لَكِنَّهُ كَانَ دَافِئًا وَمُعَدًّا بِحُبٍّ. خَطَرَتْ لِسَنَاءَ، بِنَظْرَةٍ شَقِيَّةٍ، فِكْرَةٌ. هَمَسَتْ لِأَخِيهَا: "هَلْ نَتَسَابَقُ لِنَرَى مَنْ يُنْهِي طَبَقَهُ أَوَّلًا؟". قَبِلَ حَسَنٌ عَلَى الْفَوْرِ بِابْتِسَامَةٍ تَنَافُسِيَّةٍ وَأَجَابَ: "لِيَفُزِ الْأَفْضَلُ!".
فِي لَحْظَةٍ، انْكَسَرَ هُدُوءُ الْعَشَاءِ بِصَلْصَلَةِ الْمَلَاعِقِ السَّرِيعَةِ. كَانَا يَأْكُلَانِ لُقَمًا كَبِيرَةً، دُونَ أَنْ يَتَذَوَّقَا الْحَسَاءَ حَتَّى، وَأَعْيُنُهُمَا مُثَبَّتَةٌ عَلَى بَعْضِهِمَا. وَفِي نَفْسِ اللَّحْظَةِ تَقْرِيبًا، أَصْبَحَ الطَّبَقَانِ فَارِغَيْنِ. وَبِأَنْفَاسٍ مُتَقَطِّعَةٍ وَخُدُودٍ حَمْرَاءَ، رَفَعَا مِلْعَقَتَيْهِمَا عَلَامَةً عَلَى النَّصْرِ. سَأَلَتْ سَنَاءُ بِحَمَاسٍ: "أَبِي، مَنِ الْفَائِزُ؟".
لَمْ يَبْتَسِمْ وَالِدُهُمَا، الَّذِي كَانَ يَجْلِسُ صَامِتًا عَلَى رَأْسِ الطَّاوِلَةِ. كَانَ وَجْهُهُ مُمْتَلِئًا بِحُزْنٍ عَمِيقٍ لَمْ يَرَهْ الطِّفْلَانِ مِنْ قَبْلُ. نَظَرَ مِنْ طَبَقَيْهِمَا الْفَارِغَيْنِ إِلَى طَبَقِهِ الَّذِي كَانَ لَا يَزَالُ مَلِيئًا تَقْرِيبًا. قَالَ بِصَوْتٍ هَادِئٍ وَلَكِنَّهُ ثَقِيلٌ: "يَا أَوْلَادِي، هُنَاكَ أَلْعَابٌ كَثِيرَةٌ فِي الْعَالَمِ، لَكِنْ لَا يَجِبُ أَبَدًا أَنْ نَلْعَبَ بِالطَّعَامِ".
وَاصَلَ وَقَدِ ارْتَعَشَ صَوْتُهُ قَلِيلًا: "هَذَا الطَّعَامُ هُوَ ثَمَرَةُ عَمَلِي. هُوَ الْقُوَّةُ فِي ذِرَاعَيَّ لِأَقْطَعَ الْحَطَبَ غَدًا. وَهُوَ الْقُوَّةُ فِي أَرْجُلِكُمْ لِتَرْكُضُوا وَتَلْعَبُوا. إِنَّهُ كَنْزُنَا الْأَعْظَمُ. أَنْ تُعَامِلُوهُ كَسِبَاقٍ يَعْنِي أَنَّكُمْ لَا تُقَدِّرُونَ قِيمَتَهُ". نَظَرَ حَسَنٌ وَسَنَاءُ إِلَى بَعْضِهِمَا، وَقَدِ اخْتَفَتِ ابْتِسَامَتُهُمَا التَّنَافُسِيَّةُ، وَحَلَّتْ مَحَلَّهَا مَوْجَةٌ مِنَ الْخَجَلِ. رَأَيَا الْإِرْهَاقَ عَلَى وَجْهِ أَبِيهِمَا وَفَهِمَا. بِصَمْتٍ، أَخَذَتْ سَنَاءُ قِطْعَةَ خُبْزِهَا الصَّغِيرَةَ وَوَضَعَتْهَا بِجَانِبِ طَبَقِ وَالِدِهَا. كَانَتْ لَفْتَةً صَغِيرَةً تَعْنِي "لَقَدْ فَهِمْنَا". وَفِي ذَلِكَ الْمَسَاءِ، تَعَلَّمَا دَرْسًا أَهَمَّ مِنْ أَيِّ سِبَاقٍ فَازَا بِهِ.
قِيَمٌ وَدُرُوسٌ أَخْلَاقِيَّةٌ
- الِامْتِنَانُ لِلطَّعَامِ: تُعَلِّمُنَا الْقِصَّةُ أَنْ نَكُونَ شَاكِرِينَ لِلطَّعَامِ الَّذِي لَدَيْنَا وَأَنْ نُعَامِلَهُ بِاحْتِرَامٍ، مُدْرِكِينَ قِيمَتَهُ وَالْعَمَلَ الَّذِي تَطَلَّبَهُ.
- التَّعَاطُفُ وَالْمَنْظُورُ: يَتَعَلَّمُ الطِّفْلَانِ رُؤْيَةَ الْمَوْقِفِ مِنْ وَجْهَةِ نَظَرِ وَالِدِهِمَا، فَيُدْرِكَانِ تَضْحِيَتَهُ وَقَلَقَهُ.
- الْحُبُّ الْأُسَرِيُّ: يَتَجَلَّى حُبُّ الْأَبِ مِنْ خِلَالِ تَضْحِيَتِهِ، وَيَتَجَلَّى حُبُّ الطِّفْلَيْنِ مِنْ خِلَالِ فَهْمِهِمَا وَنَدَمِهِمَا الْفَوْرِيِّ.
- هُنَاكَ أَشْيَاءُ أَهَمُّ مِنَ الْأَلْعَابِ: يُمْكِنُ أَنْ تَكُونَ الْمُنَافَسَةُ مُمْتِعَةً، لَكِنَّ بَعْضَ الْأَشْيَاءِ، مِثْلَ الطَّعَامِ وَاحْتِرَامِ عَمَلِ الْآخَرِينَ، أَثْمَنُ مِنْ أَنْ تُعَامَلَ كَلُعْبَةٍ.
أَسْئِلَةٌ حَوْلَ الْقِصَّةِ
أَسْئِلَةُ الْفَهْمِ
- مَا هُمَا النَّشَاطَانِ اللَّذَانِ كَانَ حَسَنٌ وَسَنَاءُ يَتَنَافَسَانِ فِيهِمَا غَالِبًا؟
- لِمَاذَا كَانَتِ الْعَائِلَةُ فَقِيرَةً؟ وَمَاذَا كَانَ الْأَبُ يَفْعَلُ غَالِبًا عَلَى الْعَشَاءِ؟
- مَا هُوَ التَّحَدِّي الْجَدِيدُ الَّذِي اقْتَرَحَتْهُ سَنَاءُ أَثْنَاءَ الْعَشَاءِ؟
- لِمَاذَا كَانَ الْأَبُ حَزِينًا بَدَلًا مِنْ أَنْ يَكُونَ مُسْتَمْتِعًا بِسِبَاقِهِمَا؟
- مَا هُوَ الدَّرْسُ الْمُهِمُّ الَّذِي تَعَلَّمَهُ الطِّفْلَانِ فِي ذَلِكَ الْمَسَاءِ؟
أَسْئِلَةُ التَّفْكِيرِ النَّقْدِيِّ
- هَلْ تَعْتَقِدُ أَنَّ حَسَنًا وَسَنَاءَ كَانَا سَيِّئَيْنِ، أَمْ أَنَّهُمَا لَمْ يُفَكِّرَا فِي عَوَاقِبِ لُعْبَتِهِمَا؟
- كَيْفَ كَانَ صَمْتُ الْأَبِ وَنَظْرَتُهُ الْحَزِينَةُ أَكْثَرَ تَأْثِيرًا مِنَ الصُّرَاخِ عَلَيْهِمَا؟
- تَقُولُ الْقِصَّةُ إِنَّ حَسَنًا كَانَ يَدَعُ سَنَاءَ تَفُوزُ أَحْيَانًا. مَاذَا يُخْبِرُنَا هَذَا عَنْ عَلَاقَتِهِمَا؟
أَسْئِلَةُ الرَّبْطِ بِالْحَيَاةِ الْيَوْمِيَّةِ
- مَا هِيَ وَجْبَتُكَ الْمُفَضَّلَةُ؟ فَكِّرْ فِي كُلِّ الْعَمَلِ الَّذِي يُبْذَلُ لِتَقْدِيمِهَا عَلَى طَاوِلَتِكَ.
- احْكِ عَنْ مَرَّةٍ أَدْرَكْتَ فِيهَا أَنَّ أَحَدَ وَالِدَيْكَ أَوْ شَخْصًا بَالِغًا قَدَّمَ تَضْحِيَةً مِنْ أَجْلِكَ.
- هَلْ هُنَاكَ شَيْءٌ فِي حَيَاتِكَ تَأْخُذُهُ أَحْيَانًا كَأَمْرٍ مُسَلَّمٍ بِهِ؟ كَيْفَ يُمْكِنُكَ إِظْهَارُ الْمَزِيدِ مِنَ الِامْتِنَانِ لَهُ؟
أَنْشِطَةٌ مُمْتِعَةٌ
- جَرَّةُ الِامْتِنَانِ: زَيِّنْ جَرَّةً فَارِغَةً. كُلَّ يَوْمٍ لِمُدَّةِ أُسْبُوعٍ، قَبْلَ الْعَشَاءِ، اكْتُبْ عَلَى وَرَقَةٍ صَغِيرَةٍ شَيْئًا تَشْعُرُ بِالِامْتِنَانِ لِأَجْلِهِ (وَجْبَةٌ، صَدِيقٌ، لُعْبَةٌ) وَضَعْهَا فِي الْجَرَّةِ. فِي نِهَايَةِ الْأُسْبُوعِ، اقْرَأُوا جَمِيعَ الْأَوْرَاقِ مَعًا.
- يَدُ مُسَاعَدَةٍ فِي الْمَطْبَخِ: اطْلُبْ أَنْ تُسَاعِدَ فِي إِعْدَادِ جُزْءٍ بَسِيطٍ مِنَ الْعَشَاءِ أَوْ فِي تَرْتِيبِ الطَّاوِلَةِ. رُؤْيَةُ الْعَمَلِ عَنْ قُرْبٍ تُسَاعِدُ عَلَى تَقْدِيرِهِ أَكْثَرَ.
- سِبَاقُ الْحَرَكَةِ الْبَطِيئَةِ: جَرِّبْ أَنْ تَخُوضَ "سِبَاقًا عَكْسِيًّا" مَعَ صَدِيقٍ أَوْ أَخٍ. مَنْ يَسْتَطِيعُ أَنْ يَأْكُلَ وَجْبَةً خَفِيفَةً (مِثْلَ قِطْعَةِ بَسْكْوِيتٍ) بِأَبْطَأِ سُرْعَةٍ، مُسْتَمْتِعًا بِكُلِّ قَضْمَةٍ؟